مكتبه في محطة الباصات .


في صيف عام 2011 وصلت الي  بلغاريا - صوفيا لقضاء عده اشهر في بلاد تشتهر بالطبيعة  الخلابة. وبعد ايام من وصولي تشاجرت مع زوجتي وكنا في بيت اهلها ، فتركتها وسافرت بالباص الي مدينة فارنا وهي تقع علي ساحل البحر الاسود . استاجرت غرفه في منزل ، المنزل كان في منطقة عبارة عن قمة جبل  كبير وتبعد عن مركز المدينه ( السنتر )ساعة تقريبا بالسيارة محاطة بالاشجار من كل الجهات تسير فيها بالسياره او الباص  حوالي ساعة او ساعة ونصف للوصول الي اخرها… بها طريق واحد رئيسي وعدة طرق صغيرة متفرعة للوصول الي الاطراف والشواطئ….. هناك ثلاث خطوط للباص  لربط هذه المناطق ببعضها  وبالمنطقه الرئيسية في البلد الأم او السنتر كما يطلقون عليه.. كثافه القياده ليست مثل المناطق السكنية بمعني ان المسافه الزمنية بين كل باص والذي يليه قد تصل الي ساعه كامله ولكن هذا لا يمثل لهم مشكله كبيرة, الجميع يمتلكون سيارات والذي لا يريد قيادة السيارة يعرف مواعيد الباصات  جيدا ويضبط مواعيده بالثانية.
وصلت الي المكان الهادي الرائع عند مضيفي صاحب المنزل الكريم والدمث الاخلاق مع عائلته الرائعة, أول يوم كان تحيات وسلامات وتعارف … ثاني يوم كان علي البحر وطبعا درجه الحرارة كانت معتدله . 
لكن عندهم كان هذا هو الصيف بعينه والجميع يرتدي لباس البحر ويستمتع بالشمس…الحقيقة الشمس كانت ممتعة ولكن المياة كانت مثلجة لدرجه اني هربت من اول لمسه لطرف قدمي للمياه والجميع يضحكون ويقفزون بنشوه بالغة علي شاطئ البحر في هذه المنطقة الخلابة و الطبيعة الجميله .
تركت مضيفي ، هتروح فين..قالها مضيفي ضاحكا وهو يعرفني جيدا بانني احب استكشاف المدينه .
–       هاخد الباص واتفرج علي المنطقة..لا تقلق انا متعود

–       طيب معاك الموبايل  وانت عارف احنا فين لو احتجت اي حاجه اتصل

–       شكرا لا تقلق…اين محطه الباص ؟

–       علي بعد مائتين متر بالضبط من المنزل

–       شكرا والي اللقاء في المساء 
مشيت علي الطريق الزراعي وأشجار الفاكهة علي الجانبين بدون اي سور او اسلاك شائكة..اشجار تفاح احمر واصفر واخضر..اشجار الكرز بكل الالوان..الكمثرى…البرقوق..عشرات الاشجار الممتلئة بالثمار علي جوانب الطريق وحدائق الفيلات… كل خمسين متر تظهر من وسط الاشجار فيلا مبنية بالخشب البلغاري  والقرميد الاحمر تطل منها شرفة انيقة مليئة بالورود الحمراء والصفراء….. من الحين لاخر اقابل شخص يمشي وفورا ينظر الي ويقول التحية البلغاريه (دبر دان )وانا ارد بمثلها..(نهار سعيد ) .
مكان تشعر فيه انك في الجنة الحقيقية وتحس بسلام وراحه غريبة.
وصلت الي محطة الباصات التي هي عبارة عن كشك خشبي صغير أحمر اللون يمكن لعدد من الافراد الانتظار بداخلة في حالة هطول الامطار صيفا او الثلوج شتاءا.
انتظرت في الخارج أتامل المنطقة واتامل في الاشجار الطويلة والقديمة. الجو كان بديعا لايشجع علي الدخول في الكشك الخشبي ولكني اعرف من خبرات سابقة ان مواعيد وصول الاوتوبيس وجدول المواعيد يكون في الداخل واردت ان اعرف ميعاد وصول المركبه التي سوف استقلها.
دخلت الكشك الخشبي أبحث عن جدول المواعيد وعندما وضعت قدمي في الداخل ورفعت نظري وجدت نفسي في حيرة كبيره ودهشة ليس لها مثيل.
لم أجد في الداخل جدول مواعيد بل وجدت رفوف خشبيه أنيقة عليها كتب مصفوفه بشكل منظم كاني دخلت مكتبة لبيع الكتب….. بجوار الرفوف كان هناك لوحات علي الحائط بالالوان.
لم افهم جيدا أو لم أستوعب…هل أخطات العنوان؟ هل هذا محل لبيع الكتب؟ ام مكتبه البلدية؟ اين البائع؟ او أمين المكتبة المسئول؟ أين محطة الباصات؟  خرجت فورا ونظرت علي اليافطة الموضوعة بالخارج التي تؤكد ان هذه هي محطة الباصات …دخلت مره اخري وبدات اتامل الكتب..كتب تاريخ وقصص وروايات..كتب مليئة بالصور والرسومات…علي الحائط عشرات الصور لانواع الورود بالمنطقه وانواع الفراش وأنواع الحشرات…صور ومراجع عن أنواع الغزلان والحيوانات التي تعيش في هذه المنطقة…. أثناء بحثي عن تفسير منطقي لما اراه امامي وجدت سيدة انيقه شقراء في منتصف العمر تنظر الي وتبتسم..نظرت اليها متعجبا متسائلا عما اراه فقالت لي بهدوء مبتسمة :
–       انت كمان منتظر الباص ؟

–       الحقيقة انا مش عارف انا وين ، هل  محطه باص او مكتبة؟
   اهدا يا سيد  وانا هفهمك…الناس اللي ساكنه هنا عارفه ان الباصات  ما  بتيجي بسرعه وفي الشتاء ممكن يتاخر بسبب الجليد فكل واحد بيجيب معاه كتاب يقراه وبعدين يسيبه لغيره كمان لو حد عايز يقراه..مع الوقت زاد عدد الكتب فعملنا رفوف ونظمناها. فهمت؟
     انتظري قليلا…هل تعنين أن هذه الكتب ليس لها صاحب؟
   قالت  يا صديقي هذه الكتب ملك للجميع ومن يستعير كتاب للقراءة اثناء الرحلة او اثناء الانتظار  يعيده لمكانه بنظام وعناية
   ومفيش حد بياخد كتاب وميرجعهوش؟
 قالت ، لا  بالعكس عدد الكتب بيزداد يوم بعد يوم وكل اللي عنده كتاب مش عايزه بيجيبه للمكتبه هنا والجميع يستفيدون ويقرأون
   -   يعني هاي الكتب  كلها الناس اللي هنا جابتها  من غير مقابل؟
   - المقابل يا استاذ اننا كلنا بقي عندنا مكتبه حلوه ونقرا كتب كثيره اثناء الرحله..نوع من التكافل الاجتماعي وتبادل الكتب والامكانيات

لاحظت ان نبرات صوتي كانت تتغير رويدا رويدا كلما فهمت رويدا رويدا..وفي النهايه أصبح صوتي مثل الحشرجة…….حشرجة مخنوق أو مصدوم لا اعرف
قلت لها بصوتي المحشرج:
– يعني انتوا لوحدكم عملتوا مكتبه عامه في محطه الباصات .
أجابت بنعم ، هدا صحيح .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كل شئ في الحياة مسألة وقت

أغلق الكتاب .

شعر مظفر النواب